وادي لالوت
هو واد عميق ، كثير الأشجار غزير المياه عند حملاته ، يسقي أرضا فسيحة خصبة ،يتجه في مبدأ أمره إلى الجنوب ، ثم ينعطف في نصف دائرة إلى الشمال فيحتضن المدينة العظيمة لالوت ، ويكاد يحيط بها إحاطة كاملة .
ولالوت لها ثاريخ مجيد في الإسلام ، ربضت على قمة منبسطة من جبل شامخ ، يقتطعها عن بقية القمم والجبال واد عميق الغور من ثلاث جهات ، ويجعل منها شبه جزيرة صخرية ، حصينة المداخل آمنة من العدوان المفاجئ . وفي هذا الواد الذي يلتف بها كما تلتف يد الولهان بخصر الحبيب تتبع كثير من العيون والآبار وتنتشر على جميع جهات البلد ، وهي تتفاوت في غزارة الماء ، ولكنها تتقارب في عذوبته ، وفي منابع هذه العيون والآبار تزدهر بساتين و أجنة جميلة ، يتخذها الناس مصائف ، ويقضي فيها الشباب أوقاتا من البهجة والأنس والمتعة ، ومن هذه المنتزهات الغزيرة المياه :-
تونين ، وايجربن ، والحسيان ، وسركوكم ، وادبير ، وتغليس .
وتعتبر العين الأخيرة أعذب العيون ماء ، وكانت تسقي غابة ظليلة من شجر الزيتون والكرم والكمثرى وغيره ، وتوجد غير هذه عشرات من العيون التي تنبع من بين الصخر تتفاوت قوة وضعفا
في هذه المدينة التي وصفها أبو العباس الشماخي بأنها مدينة الأشياخ والعلم ، نشأ عدد غير قليل من العلماء الأعلام ، ومن العالمات الفاضلات ، كان من بينهم العلامة أحمد بن بصير ، ومحمد بن بصير ، وابوزكريا بن جرناز أحد أعضاء الجمعية التي ألفت الديوان ويكفي أنها أخرجت أبا الربيع سلمان بن هارون ، وأبا سهل .
أما من نوابغ النساء فقد نشأت بها المؤمنة الصالحة العالمة (( زينب اللالوتية )) التي كانت تعيش في (( لالوت )) متمسكة بأشد ما يمكن من حجاب المرأة ، ولم يمنعها ذلك أن تعيش في عصرها ، وتعرف مجتمعها ، وتتبع الحركات التي تقع في كامل الجبل ، فتشترك بالرأي والكلمة الحسنة ، والدعوة إلى الخير . بلغها أن أمة الواحد زوجة أبي عامر التصراري أعلنت شيئا مما تحرص النساء على اخفائه ، فبعثث إليها تقول في توبيخ عنيف ونهي عن المنكر شديد :-
لو أمكن لنا أن نستر قبورنا بين القبور لفعلنا . واستجابت لها أمة الواحد وتابت من عملها ذلك وبعتث إليها تعتذر ، وهكذا ، فقد كانت المرأة في ذلك العصر حية شاعرة متصلة بالأحداث التي تقع في وطنها ، ولم تكن قابعة في زاوية من البيت يقيد الجهل لسانها ، ويملأ الفراغ عليها يومها ، وتشحن الخرافات عقلها ، وتشغل الصغائر ذهنها كما هو الحال عند المرأة اليوم .
أما أم سحنون : فقد كانت مزارا للمشائخ ، ومعقدا لاجتماعاتهم ومشاوراتهم ، وكثيرا ما اجتمعوا عندها في مهمات الأمور ، فجاءوا من يفرن وجادو ، وشروس ليجتمعوا عند أم سحنون في لالوت .
وعلى ضفة الوادي من الشرق مقابل لالوت تقع مدينة (( تيغيت )) التي غير اسمها ، فاطلق : عليها أولاد محمود ، وقد أصبحت قرية صغيرة جدا ، وبجانب المدينة إلى الشمال مصلى ينسب إلى عاصم السدراتي ، كثيرا ما يجتمع فيه الناس لصلاة الاستسقاء .
والى الشمال من لالوت بمسافة تقارب عشرين كيلومترا في السهل الواقع غربي هذا الوادي الذي ينحدر وهو يلتوي كالأفعوان تقع مدينة (( تاغرويت )) أو على الأصح أطلال مدينة تاغرويت تلك المدينة التي تنتشر حولها عيون و آبار كثيرة ، غزيرة المياه ، وتنتشر حولها مزارع خضر ، وبساتين غناء ، قال فيها أبو العباس في كتابه السير 296 : (( وتاغرويت مدينة قريبة من لالوت ، تحتها ، وجلا أهلها زناته . واجتمع فيها في أيام أبي ويسجمين سبعون شيخا ، وأكثر أهلها ذهبوا إلى وارجلان )) . والى الجنوب من هذه المدينة الكبيرة بمسافة قصيرة تقع القرية الجميلة (( تكوت )) على رأس ربوة صغيرة مرتفعة تحيط بها من جميع الجهات غابات من النخيل تكون واحة صغيرة خضراء جميلة ، وتسقي هذه الواحة من مياه الآبار ، كانت من قبل تستخرج بطريقة الدلاء المعروفة ، أما اليوم فقد زود أكثرها بمحركات وتعتمد لالوت كثيرا على هذه القرية فيما يتعلق بالخضار والغلل .
والى الشرق من (( تيغيت )) تقع مجموعة من القرى يطلق عليها اليوم (( الحوامد )) وأشهر هذه القرى في التاريخ الإسلامي (( ثالاث)) التي وقعت فيها عدة وقائع حربية ، وهاجر أكثر أهلها الى جربة ومنهم العلامة (( الثلاثي )) العالم المتواضع الذي تجد آثار قلمه في كل كتاب تطالعه من كتب نفوسة ، يعلق عليها باستحياء ، ولكن بإفادة وإمتاع .
وغير بعيد منها تقع (( تيركت)) وفيها مسجد تهدم جانب منه ، ولا يزال الجانب الثاني يروي للتاريخ العلم والخلق والدين ….
وتمتد مزارع لالوت الخضراء ، وبساتين التين والزيتون على مسافة أربعين ميلا نحو الغرب حتى تتصل بوازن ، يقول العلامة الكبير الباشا الباروني في تعاليقه على (( سلم العامة والمبتدئين )) 33 (( ويليها – أي – لالوت – غربا على مسافة فسحة :قرية وازن وهي الحد الفاصل بين ولاية طرابلس وإيالة تونس ، وأهلها إباضية كلهم ،كلالوت ، وفيهما رجال محترمون لهم غيرة وحمية على الدين )) .
المصدر : الإباضية في موكب التاريخ