أقيمت على هامش مهرجان الربيع السياحي الثقافي بمدينة نالوت محاضرة ألقاها السيد حلمي المقدمي تحت عنوان " نالوت عبر العصور"، معرجاً من خلالها على تاريخ وأصول نالوت، ونبذة عن سكان المدينة وقبائلها، ومراحل من تاريخ المنطقة، خلال العصر الروماني والفتح الاسلامي، والحكم العثماني، إلى الاحتلال الايطالي، بالإضافة إلى أصل سكان نفوسة .
حيث أوضح المقدمي أن مدينة نالوت تبرز كواحدة من اقدم المدن الليبية إطلاقا، مضيفاً أن هناك مدناً لها تاريخ، ولكن نالوت هي التاريخ نفسه وقصر نالوت العظيم شاهد على عراقة وتاريخ المدينة، حيث ثبت وبعد إجراء الدراسات العلمية على المواد المستعملة في عملية بناء هذا القصر يتضح أن قصر نالوت في مرحلته الأولى كان ضمن المكونات المعمارية للمدينة منذ القرن السابع قبل الميلاد" .
نالوت الرومانية
وأضاف الباحث خلال محاضرته أن احتلال روما للمنطقة كان سنة 131 قبل الميلاد بقيادة قائد الجيش الروماني " دور سوس"، وجرى تأسيس عديد المستعمرات حول نالوت، وإقامة معاصر الزيتون، وبعض السدود التي مازال بعض من آثارها ينتشر في محيط المنطقة، مشيراً إلى ضم جبل نفوسة بأسره إلي منطقة المدن الثلاث " تريبوليس" التابعة لولاية افريقية خلال مراحل الاستعمار الروماني، متناولاً إطلاق تسمية البربر على الليبيين من سكان الساحل والجبل حيث قال : " أطلق الرومان اسم بربر على سكان جبل نفوسة، وبعض مناطق الساحل "صبرا ته، وزوارة، وتاجوراء، وجنزور، وسوف الجين"، كانوا يطلقون علي أنفسهم اسم الامازيغ أي الأحرار، وهذا اللفظ يكاد يكون ترجمة للفظ الذي أطلقه المصريون القدماء على أنفسهم"، واستشهد المحاضر بالمؤرخ والفيلسوف اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ، مطلقاً على منطقة الشمال الإفريقي اسم " لوبيا أو ليبيا"، و داعياًً أهلها باللوبيين".
الفتح الاسلامي
وعن تاريخ نالوت في العصر الإسلامي أشار المقدمي إلى أن العرب عندما دخلوا شمال أفريقيا حافظوا على التسمية اليونانية، ولم يغيروها لذيوعها و انتشارها، لأنهم أدركوا دائما أبعاد العلاقة القوية التي كانت تربط شعوب الشمال الإفريقي و شعوب شبه الجزيرة العربية، وأوضح أن عمرو بن عاص عندما تقدم نحو ليبيا كان بناءً على اتفاق مع سكانها، وأنه كان يتلقى منهم مساعدة فعالة من داخل المدن و خارجها خلال زحفه لتحرير الساحل وجبل نفوسة وعندما وصل عمرو بن العاص إلى مدينة صبراتة سنة 22 هجرية أرسل في السنة التالية 23 هجرية الجيش العربي بقيادة عبدالله بن الزبير إلي مدينة شروس " الحرابة "، ومدينة نالوت، وبالتالي انتشر الدين الإسلامي الحنيف في كل مناطق جبل نفوسة مع حلول سنة 24هجرية، وخلال مرحلة أخرى من تاريخ جبل نفوسة بذل الاباضيون أول محاولة للخروج من سلطة الفاطميين سنة 310 هجري، بقيادة رجل يكنى " أبو بطة "، لكن المرجح أن اسمه الحقيقي هو أبو يحيى زكريا .. و قد تمكن الاباضيون في بادئ الأمر من التغلب علي الجيش الذي أرسله المهدي لقمع حركتهم و فتكوا برجاله، و أرغموا قائده علي بن أبي سليمان و من نجا معه من جنده علي الانسحاب، لكن الموقف تغير فجأة بعد وصول الامدادات من مدينة المهدية بتونس إذ عاد القائد الفاطمي و اقتحم مدينة جادو حصن نفوسة و معقل الاباضية، وقضى على الثورة نهائيا بعد عام واحد من قيامها. وتقف مساجد نالوت اليوم شاهداً على مدى التزام سكان المدينة بتعاليم الاسلام حيث كانت مدينة نالوت من أهم المراكز الدينية بمنطقة جبل نفوسة، وكان من أبرز تلك المنارات العلمية، المسجد الكبير المسمى بسيدي خليفة، و مسجد بن عسكر، ومسجد قنان، وعدد من المساجد العتيقة التي من أشهرها "مسجد تيندار، والمسجد الاعلى، والمسجد السفلي أو القبلة "، و تمتاز مساجد المدينة بالمظهر الهندسي الجميل وكانت جل هذه المساجد منارات للعلم حيث تعطي فيها دروس في الدين و الفقه و اللغة و شتى العلوم الدنيوية الأخري
الاحتلال الايطالي
وحول تاريخ المدينة أثناء فترة الاحتلال الايطالي قال المقدمي : " أضيف عديد المرافق الحديثة خلال تلك الفترة مثل مبنى الحاكم الايطالي، و مبني الشرطة والجمرك، و فندق وبعض المباني الأخرى، وخاصة مستوصف الذي كان يقدم إسعافاته للمواطنين، وأضاف أن دخل مدينة نالوت من العملات في السنة كان يقدر مابين 300000 إلي 400000 ليرة إيطالية و كان يستخدم الفائض منه في المشروعات العامة.
تجارة النعام
وتناول المقدمي تاريخ التجارة بمدينة نالوت، حيث أكد على أن من أهم وأقدم أنواع التجارة التي مارسها سكان المنطقة كانت تجارة ريش النعام، ومنذ عصور سحيقة ضاربة في القدم، وقد كان النعام ينتشر بأراضي الليبية إلى ماقبل نحو قرن مضى تقريباً، وكان يوجد بأعداد كبيرة في مناطق جبل نفوسة والمناطق الواقعة في السفوح الجنوبية للمنطقة، ثم هاجرت هذه الطيور نحو أواسط قارة أفريقيا لأسباب غير معروفة حتى الآن، ولعل هجرتها كانت نتيجة المطاردة العنيفة بعد اندفاع تجار نالوت و غيرهم من تجار باقي المناطق وراء إغراءات الكسب فأخذوا يتوغلون نحو الداخل تدريجيا للحصول على هذا الريش الثمين فأعطوا بذالك حياة جديدة لتجارة القوافل مع بلدان منقطعة الصلة بالعالم، ومنذ ذلك الوقت رسمت ثلاث طرق رئيسة ... يمكن تتبع مساراتها ومشاهدة معالمها، وتبرز اليوم كمعالم سياحية تتميز بها الأراضي الليبية :
الأولى طرابلس نالوت غدامس كانو
الثانية طرابلس نالوت غدامس نحو بورنو
الثالثة طرابلس نالوت غدامس غات نحو واداي بتشاد
ولم تتضاءل أهمية هذه الطرق، وظلت نشطة إلى أن وقعت ليبيا في ظل الاحتلال الإيطالي، وبدأت تلك الخطوط التجارية تفقد اهميتها شيئا فشيئا ، ولكن يبدو أن التجارة القائمة على ريش النعام هي الأساس الذي قامت عليه تجارة القوافل التي كانت تمارس إلى مابعد أعوام قليلة من الاحتلال الإيطالي لليبيا سنة 1911 و هي التجارة التي كانت قبل ذلك بخمسين أو ستين سنة تدر أرباحا طائلة على المشتغلين بها غير إن تجارة القوافل بين المدن الساحلية الليبية والمدن الأفريقية ماوراء الصحراء بدأت تتضاءل إلى درجة الإندثار نهائياً، وللعلم إن حركة التجارة نشطت بعد سنة 1930 حيث كانت السلع تصل إلي نالوت والجوش من تونس و الجزائر و جنوب الصحراء الكبرى حتى أصبحت نالوت وما حولها أشبه بسوق حرة تزامناً مع استئناف حركة القوافل قبل أن تتوقف بشكل شبه نهائي مع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 .
منقول من موقع صحيفة أويا